من أين يأتينا الخطر؟

إن دراسة التاريخ لا تعني معرفة أحداثه بأشخاصها وزمانها ومكانها وملابساتها، وإنما دراسة التاريخ تعنى الدروس المستفادة من كل أحداثه بسلبياتها وإيجابياتها، فإذا مررنا في حياتنا بأحداث تشابه ما مضى من تاريخنا ولم نسترجع دروس الماضى لنستفيد منها في الحاضر فكأننا لم نتعلم من دراسة التاريخ شيئاً.

لقد تعلمنا من التاريخ أن الوحدة قوة والتفرق ضعف, وأن النصر مع الصبر, وأن قوة الإرادة تهزم قوة السلاح مهما طالت المعركة, وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسْترد إلا بالقوة, وأن الحقَّ من غير قوةٍ ضعف, وأن الاحتلال الخارجى لا يتم لشعبٍ إلا عند ضعفه واختلاف أفراده وتفرقهم, وأن من يتعاون مع الاحتلال فهو خائن لوطنه وأمته، وأن الاحتلال لا يخرج إلا تحت قوة الجهاد والقتال, وأن الأمة التي لا تزرع ما تأكل لا تملك قرارها, وإنما قرارها بيد من يبيع لها الغذاء, وأن قوة اشتعال النزاعات المذهبية والطائفية داخل أي أمة إنما تغذيها يد أجنبية شعارها “فرق تسد”.

إن أمة لا تعرف تاريخها بانتصاراته وهزائمه، وأسباب نصرها أو هزيمتها, هى أمة تسير في طريقها نحو الخطر, وسياسيون لا يعرفون تاريخ أمتهم فهم أطفال فى موضع القيادة, ومن الخطورة الكبرى أن يتولى الأطفال قيادة أمة؛ لأنه مكتوب على من لا يقرأ التاريخ أن يعيش طفلاً.

والكارثة الكبرى حينما تُصاب طبقة النخبة بعمى الألوان الفكرى فترى تاريخ أمتها من خلف نظارة سوداء، فتتنكر لتاريخها وثقافتها وحضارتها، وهؤلاء هم في الحقيقة عملاء ووكلاء الاحتلال فى بلادنا, الذين لا يكلون ولا يملون ليل نهار من دعوتنا إلى أن ندور في فلك التبعية للقوى العظمى الأجنبية، تحت ستار الحداثة والتحديث والتطوير والتنوير.

ماذا تقول عن زعيم عربي كبير حين تسمعه يذكر بأن قدوته السياسية “كمال أتاتورك” هل “يجهل” هذا الزعيم أن كمال أتاتورك هو الذي قطع وحدة تركيا مع العرب التى استمرت خمسمائة عام، ثم عمل بكل قوة لتكُون تركيا جزءاً من أوربا سياسياً واقتصادياً؟!! هل يجهل هذا الزعيم العربي أن كمال أتاتورك حارب اللغة العربية في تركيا لتقترب من أوربا وتبتعد عن العرب؟!! يكفى أن الوثائق السرية التى كشف عنها الاستعمار تمدح بقوة أفعال أتاتورك المشينة فى حق أمته وثقافتها وتاريخها وحضارتها، والتي هي جزء من ثقافة وتاريخ وحضارة العرب.

إن بعض النخبة في العالم العربي هي التي أشعلت معركة التقاليد لنترك عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا ونأخذ عن الغرب عاداته وتقاليده وأخلاقه.

إن النخبة المبهورة بالغرب تدعونا إلى تمجيد الاستعمار ..

إنها تدعونا إلى الاحتفال بالاحتلال “…هذا الكلام حقيقة لا خيال…”، في سبتمبر 1997 تواترت فصول معركة بين فريقين في مصر حول الاحتفال بذكرى مرور مائتي عام على الغزو الفرنسي لمصر, وربما تكون المرة الأولى في التاريخ التي يحتفل فيها شعب بذكرى احتلاله وانقسم الناس إلى فريقين: فريق مؤيد للاحتفال وفريق معارض يرى أن الاحتلال الفرنسي لمصر كان لنهب خيراتها وانتهاك مقدساتها متمثلة في اقتحام الأزهر بالخيول والمساس بالكرامة الوطنية بأشكال متعددة, وقد أدت السجالات الحادة بين الفريقين إلى تعديل برنامج الاحتفال الذي تضمنت الصيغة الأولى لبرنامجه: أن الغزو الفرنسي لمصر وضع مصر على أولى عتبات نهضتها الحديثة ولولاه لتأجلت معرفة المصريين بالكثير من قيم التقدم لسنوات طويلة “إلى شعار آخر للاحتفال هو “عام فرنسا في مصر وعام مصر فى فرنسا”, ولما زادت حدة المعارضة للاحتفال باحتلال مصر تغير شعاره ثالثاً إلى “مصر وفرنسا: آفاق مشتركة”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق